ثقافة
أخر الأخبار

الآنتماء خاطرة للكاتبه ميرنا غالى من سوريا

خاطرة

الآنتماء…

فردت شعرها ليداعبه الهواء
وادارت وجهها للشمس المحرقة
معلنةً بداية جديدة ،تخطها بقلم الحياة على صفحات عمرها..
تاركة خلفها كل ما تملك من ذكريات وأماني وأحلام.
خرجت من قلب صراع دامي لم تكن طرفاً فيه،
و في الصراعات الكبيرة كل شئ مباح،إغتيال الاحلام ؛ إغتيال الطفولة ؛ سلب الحياة ؛ الموت ؛ القهر ؛ الحزن ؛ الألم ؛كل شئ مباح بالخفاء وبالعلن.
لتتحول حياة البسطاء الى مجرد ارقام واحصائيات تقابلها إدانات خجولة إن وجدت .

هناك على ناصية الأمل تركت العشاق تحت شجرة الياسمين الملطخة بالدماء بدل من قطرات الندى،يتعهدون ويحلمون.

تركت أطفال حارتها يلعبون على ركام منازلهم،مرتلين تراتيل الطفولة والسلام.

في تلك الأزقة المهجورة .. كانت شاهدة على ضحكات الصبايا وهن ينسجن أحلاما من خيوط الشمس المتسللة من شقوق النوافذ المحطمة

كانت شاهدة على حفل زفاف عروس تزف على عريسها فوق حطام وركام منزلها الذي طالما حلمت به،
وبابتسامة أمل وسخرية وثقت هذه اللحظات بصور لم تكن تعرف أنها ستكون اللقطة الأخيرة مع حبها .

لازالت تشعر بحرارة القبلة التي طبعها زوجها على جبينها بذلك اليوم المشؤوم،قائلا:
_انتبهي لنفسك وللأولاد.
_ماذا بك??
قالتها والخوف اجتاح كيانها.
_لم أسمع منك هذه الكلمات قط،وليس من عادتك هذه القبلة .
خرج بابتسامة غريبة لم تراه من قبل،ابتسامة فيها قوة لمواجهة حتفه في زقاق مدينة الياسمين التي فاحت فيه رائحة البارود بدل من رائحة البخور.

كتلاطم الامواج في عرض البحر ،تتلاطم مشاعرها وذكرياتها على شط الذكرى،متسابقة؛ لاهثة متدافعة بعبثية متقنة ،وبمسمفونية الحياة تحط اسرارها فيه،تحكي حكاياها وتخفيها بالامواج ليحط رحاله بالرمال الندية المشبعة بالحياة.
مع كل موجة أرسلت حكاية ألم وتعب وحزن،وقصة حب كان آخر ما بجعبتها بتلك اللحظات التي عاشتها بفوضى حواسها .

لم تكن تحمل معها سوى حقيبة صغيرة وضعت فيه كل الهدايا الرمزية التي تربطها بماض جميل ،والتي تم رميها عند اول موجة عاتية.
وحمل ثقيل من الذكريات في ذاكرتها المتعبة التي حاولت التخلص منها في رحلتها بعرض البحر
بدون أدنى مقومات السلامة الممكنة ،حاضنة أولادها،سارحة بالحياة التي تركتها،حارقة كل ما تبقى لها من أشرعة خلفها.
وبعناية الهية وصلت الى ضفة الآمان ،متسولة الحياة على أبواب إحدى الدول،بعد أن ضاق بها وطناً ضاع ملامحه.

_لا شئ مستحيل تحت أشعة الشمس،فالمرأة التي خرجت من الاعاصير ،حجزت مكانها جانب الشمس،مستهزئة بمآسي الحياة،لا بل بالحياة نفسها.
خاطبت نفسها بثقة وقوة.
إستمدت هذه القوة من مارد قوي خرج من داخلها معلناً الجرأة للمضي بخطوات راسخة نحو الاستقرار.
_سنغلق باب قلوبنا على أحزاننا ،وآلامنا،لا وقت لدينا للحزن.
سنطوي تلك المرحلة بأزقة النسيان.
قالتها بنبرة حادة مخاطبة أولادها.
_الآن كتب لنا ولادة بإنتماء جديد ،لا لرقعة جغرافية محددة بل الإنتماء للحياة.

للحياة بقية بكل ما تبقى لنا من إيمان وإصرار للحصول على ما نستحق….

ميرنا غالي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!