ثقافة
أخر الأخبار

قصه قصيره باسم لمعه دمعه للكاتب عادل سيد أحمد من السودان

قصه قصيره

لمعة دمعة- قصة قصيرة، مُحدَّثة، من الإرشيف.
عادل سيد أحمد- السودان

– المُدير عايزَك!
و كان، غالباً ما، تعقُبُ هذه الجملةَ الندائيَّة حِزمةٌ من الخواطر، اعتاد أحمد أن يخمِّن خلالها، ولوهلة: ما هي أسئلة و طلبات المدير المُحتملة أو التي يمكن أن تحتمل، ويتأذى، فيجتهد في تحضير إجاباتها المقنعة، الخاوية من المضامين، والتي لن تلبي لسيادته، أو سادته هدفاً، فتُنْجيه من حذلقة وتطويل المدير المعهود، و تجنبه خراب باقي يومه.
لقد كانت تلك الطلبات الطارئة، غير طارئة، تمتاز بالشتارة، وتفتقر إلى المنطق، ولا تتسق مع الأولويات الإدارية.
دلف المهندس المقهور إلى مكتب مديره، بعد أن أصلح من هندامه، ووضع على شفيته ابتسامة المرؤوس، البلهاء، التي تدل على استعداد المبتسم لأن يُطيعَ ويتعاون.
وبصوت فاض بأخر ما ملك حباله الصوتية من قدره على الإيحاء بالحب، جرسةً ونفاق، قال:
– صباح الورد!
– أهلاً يا (أحمد)، إتفضّلْ يا باشمهندس! تشرب شِنو؟
– شكراً.
– طبعاً، يا أحمد، ذي ما إنت عارف، أنا متمسِّك بوجودك معانا، ولا أزال.
ويقلّب المدير ملفاً أمامه فوق المكتب بنهمٍ إداريٍ مُصطنع:
– ما عارف، ياخي والله، أبدأ ليك من وين؟ لكن، وإنت، طبعاً، سيد العارفين،إنو مرّات الشغل بيتطلّب تضحيات!
– أهَا؟
– ياخي! بصراحة، وبدون لف ودوران، جاتنا أوامر إنِّو نفصلك، وطبعاً نحن ما راضين، لكننا، ذي ما إنتَ عارِف، عبيد مأمور ! آسفين ياخي لانو مافي طريقة غير نرفدك.
ثمّ، استطرد مُصلحاً النّظارة، وتقيأ جملاً مرتبكة:
– ولمصلحتك، وعلشان (كاريرك)، حنديك فرصة تستقيل، وليك عَلَيْ، أحفظ ليك حقوقك كلّها! وكمان، لو احتجت لأي حاجة، ح تلقانا في الخدمة، إن شاء الله!
وفي الحقيقة، فإنّ (أحمداً) لم يكن في حاجة إلى تطييب خاطرٍ، أو مُستعدَّاً الإهانة والإثقال، بل وكان فعلاً في غِنىً عن طلاوة لسان المدير الخالية من مثيقيلات المضامين، فلقد كانت هذه هي (الرفدة المباغتة) هي الرفدة التاسعة في تاريخِه المهني (كاريرو)، وقد تعلّم من سابقاتها، ألا أحد يُمكنه سد باب العمل، أو الأمل عليه، إلا هو!
وعندما خرج (أحمد) من الباب الرئيسي إلى الشارع، وجده متّسعاً كما الفضاء العريض ، انتابه شعور بأنّه يرى المناظر الصاحية فيه لأوّل مرّة،
و لوَّحته أشعة شمسه الذهبيّة، فتسأل من قلبه:
– هل كانت شمسنا كل يوم كذلك؟
و قادته قدماه إلى البنابر التي شكلت ثلاثة أرباع دائرة، أحاطت بحليمة ست الشاي، وابتسمت له حليمةٌ ابتسامةً سماويّة، كما تراءت له فجأة، رغم إنها كانت تبثها ودائماً و لجميع الروّاد! فقد كانت من طبيعة مهنتها مجاراة أمزجة الزبائن، وطقطق البُـنْ:
– رفدوني ليه؟ ليه… ليه؟
و فاحت رائحة القَليَّة وعبّقتِ المكان، وملأت نكهةُ الجَبَنَة أنفه فأزدهى صدره بالحبور، وأدمعت عيناه في محجريهما، ولمعتْ دِمِيعَاتُهُ دونما إنهمار.
حينئذٍ، لم يجد أمامه أحلى، ولا أحسن من أن يُشعلَ لفافةً من تبغِهِ الأثير!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشِرَت بإسم (الكارير)، في مجموعة (رَوَاكيبُ الخَرِيفْ) القصصية- عن دار عزة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!