ثقافة
أخر الأخبار

من حكاية المال والعيال الحلقة الثامنة للكاتب عادل سيد أحمد من السودان

قصه قصيره

مِنْ حِكَايَةِ المَالِ و العِيَالْ- (الحَلقة الثَّامِنَــــة).

في أزمان غابرة، سابقة للزمن الباهي، حتّى، وقبل تعدُّد أوجهِه: كانت المناسبات -أفراحاً وأتراحاً -الخاصّة بالأسرة الممتدة، تشكِّلُ عبئاً على الرجل (ذي الثلاثة أوجه)، وكان بالإضافة إلى مساهماته المالية الرمزيّة، كانَ يجتهد، ولا يبخل أبداً، بتفكيره، وصلاته، وقدرته الفائقة: على التفاوض، والتخطيط…في: ترتيب، وتنظيم الاحتفالات، لإنجاح مناسبات الأهل..
وعندما عمل ذوّاقة في مصنع الأغذية: صارت مهمته أسهل في تجهيز الطعام الاحتفالي لتلك المناسبات، يعاونه مدير المصنع، شريك توريد الأطعمة وإعادة توظيف الإغاثة: (ذات نفسهِ!)…
وكانت الدعوة لمناسبات الفرح تُذيَّل بجملة: (والعاقبة عندكم في المسرّات)… أمّا الأتراح، فقد كان (الكشِفْ) حاضراً فيها، وفي مكان ظاهر من الصيوان: مرئي للمعزين، ويسهُل الوُصُول إليه!…
وكان (جرْد!) حساب تلك المناسبات، وتقييمها من حيثُ الربح والخسارة، يُترك له بالكامل… دونما مُراجعة من أصحاب الشأن، على سبيل إرضاء الغرور، وحفظ الحقوق و( تقديم السبت لفوزٍ متوهَّم!)، و كان ذلك يرضيه و يُثلج صدره إن لم نقُلْ: يفد منهُ.
وفاجأهُ الإنتيكة مديرُ المصنع، ذات أمسية، بتثنية من مدير فرع البنك، باقتراح: (أن يصير الرجل مُتعهِّد حفلات):

– نظراً لازدهار مناسبات الأسرة الممتدة، الحقيقيّة منها -أي المناسبات – أوتلك المؤلّفة والمفتعلة: افتعالاً!…

وقد كان…
ورويداً رويداً، امتلك الرجل (الذي صار، الآن: بكامل أوجهه الثلاثة)، كل: معينات المُتعهدين!… بما فيها: مطبعة الكُرُوت الفاخرة الواقعة جنوب كُبري الحريّة! و التي اشتراها بطريقة المقايضة، من ورثة أحد أثرياء خمسينيات القرن الماضي، والصالة الفخمة، التي تم تجميلها: بأندر الأناتيك وأغلاها بإشراف و رعاية شخصيّة من (هيام)، والواقعة غير بعيد من الحي الراقي جنوب كبري القوّات المسلحة…
ولكن الصالة كانت، برغم إرادته، شراكة: بين المديرين (الاثنين) والرجل ذوالثلاثة أوجه، لتكاليف تشييدها الباهظة!…
بيد أن هيام امتلكت سريعاً، مَكراً وكيْداً، أسهماً بلغت خمسة عشر بالمائة من جُملة قيمة الصالة، خصماً على أنصبة الشريكين… وذلك: بعد العودة من رحلة جُزُر المالديف ومصايف البحر الأسود، بأشهرٍ قليلة!
وفي تلك الأثناء، وبقدرات المتعهدين التي امتلكتها يمينه، تمت زيجات (أغلب) أشقائه الذُّكُور… ومن كانت على أهبة الاستعداد، من حيث وجود شريك العمر، من أخواته البنات…
وكن في أيّام تعليم رقيص العروس، يهدينه الرقصة المصاحبة للأغنية الحماسيّة المُتهورة:
– يا أخواتي البنات…
الجري دة ما حقِّي
حقِّي المشنقة… والمُدفع أبْ سكلي
وحالف، باليمين، لأعز: (بنات أهلي!).

وبمُوجب قيامه بالواجبات الجليلة تلك، بإكمال نصف دين الأيامى، من أشقائه وشقيقاته، والذين كان يتوسطهم، هُوَ، في الترتيب: حسب الميلاد…أولاً. ثُمَّ أبناء العُمومة… فأبناء الأُسرة المُمتدة، وفقاً للقاعدة الدينيّة: (الأقربون أولى بالمعروف)، صار نجماً يتلألأ في فضاءات الأسرة.
ولمثل هذا، وغيره، وبموجب تفانيه في تأكيد ذاته، تبوأ (الرجل ذوالثلاثة) أوجه: مكانة مُعتبرة وسط أبناء الأسرة …
واقتلع وصف (كبير أخوانو*) اقتلاعاً…
بيد أن المحافظة على ترتيب (كبير أخوانو)، المُنتزع، تطلّب بعض التغييرات في طريقة حياة وتعامُل (سيف اليزل)…
فقد (التحى) الرجل: لزوم تواكيل العقد وجلسات الطلاق، ممثلاً لعروسٍ أوعريس، وقيادة وفود المُعزين…في كل حالة على حدة…
وحفظ، عن ظهر قلب، السُّور الضروريّة لصلوات الجهر، ومنها سُورة (الأعلى)، متى ما داهمه ميقات الصلاة في المناسبات….بالإضافة إلى بعض الأدعيَة التي تقال في حق الموتى وعند رفع الفُراش.
وصارت الجلابيّة، الآن، و التي كانت زيّاً رسميّا في الأماسي، فقط، بحديقة المنزل المُطل على مقرن النيلين، صارت رداءه المُحبَّب في جميع أوقات اليوم…
ونصح له مدير الصالة بعمل (غُرّة صلاة)، وتبرّع ذلك الإضينة، بأن: يدلَّه على النطاسي البارِع، الذي يمكنه عمل غرّة شديدة الوقار…
إلا أن الرجل ذا الثلاثة أوجه كان، حتى ذلك الوقت، يحتفظ بالقليل من قدرته على الخجل… فلم يستطع الإمعان في تزوير الشخصيّة، بعمل: غُرّة الصلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*تطلق أيضاً على مُصران الذبائح الغليظ، الذي لا يُفاد منه في شيء.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!