ثقافة
أخر الأخبار

من حكاية المال والعيال الحلقة الرابعة للكاتب عادل سيد أحمد من السودان

قصة قصيرة

من حكاية المال و العيال- (الحلقة الرابعة).

كانت، الخطيبة، بنت أحد روّاد أمسياته العامرة من مشاهير الرياضة… كانت البنت، فاتنة: بمقياس الجمال لدى القنوات الفضائيّة، ومع ذلك فقد قرّر الرجل السكن إليها، ومعها في بيتِ أسرتها، في الحي ذي الموقع الاستراتيجي الذي يطل مُباشرةً على ملتقى النيلين (الأبيض والأزرق)، وكانت هذه ميزة، إضافيّة، تحسب لها فوق جمالها المذكور …
وكانت لها لمسات، يفتقدها هو، في: طفولته شبه القرويّة… وشبابه الفقير.
ولكنها والحق يُقال، بعد الزواج، ساهمت العروس، بجدارة، في ترتيب تلك الأماسي وأضفت عليها: رنينًا مسمُوعاً!
وازدانت سفرته بالتفّاح والسنكيت، والبتلُّو، ولحم سمك العجل… بديلاً عن الجقاجق، وأم فتفت، والكوارع، والموز، وما شاكلها من طعامٍ فقير.. تلك الأطعمة، التي كان يباهي بها أصدقاء الزمن الباهي، الغابرين، كما كان يحلوله، و يشفي، و لو القليل، من مركبات نقصه.
وأدمن اللحم الرُّخُس، والخدار المفرهد، والفواكه الطازجة، والعصاير (الطازجة!)… والتي كان يملأ بها الضَهْريّة كل نهار، استعدادًا لليلة: تُبذل فيها الوعود وتؤطر فيها صفقات الغد…
ومع امتلاء سفرته، الخضراء*، وضجيجها: بأصناف الطعام الطيب ناعم الملمس، إلا أنه كانت (لرِيَشِ الكُستُليتة)، التي كانت تجيد صنعها الزوجة، نقلاً عن عمّتها ذات المجد التليد، مكانة خاصّة في نفسه، وكان أمّا أن يأكلها (الريش)، مُنفرداً، بعد انصراف الضُيُوف… أويشارك فيها، أولئك القلة، من ذوي الصفقات الخاصّة: لتؤكل بطريقة (القزقزة!)… أثناء قتل هذه الصفقة، أوتلك، بحثاً وتقييماً…ومُقالعة!
في تلك الفترة، تعلّم (الرجل ذوالثلاثة أوجه)، أن: يحلف بالطلاق… رافعاً بنصره ليبدوخاتم الزواج، معضداً طلاقه آناء كل حليفة!…وكانت تلك الحلايف تحلو له- بالذات- عندما: يؤم مائدته، بعض أصدقائه من الأيامى، الذين لم يستطيعوا الباءة بعد، ولا يأملون فيها في المستقبل القريب، من: (أصدقاء الزمن الباهي!) الذين لا زالوا جَلِدين يسمهم الزهد.
قبل دخول (سميرالحلبي) دُنيا الحديقة، والتحوُّل النوعي الذي طرأ، بوجوده، على طُرُق ومناهج حلحلة المشاكل والتعقيدات الماليّة وغير الماليّة، ما ظهر منها وما بطن… حدثت ارتدادات كثيرة لـ (الرجل ذي الثلاثة أوجه)…لم تنحصر في ولوجه نيابات المصارف وحسب… وفي تلك الأحوال، فقد كان يرتد لسيرته الأولى أيّام جهالتهُ**… ويسوق بضاعته القديمة… فـ(العرْجاء لي مُراحها)… أوهكذا يُعزي نفسهُ، مُعتمداً على فهلوته وخبراته الشاملة، السابقة، في الأسواق التقليدية التي تراكمت في فترة ما قبل الثراء: حيثُ لا هيام… ولا حديقة… ولا أناتيك، ولا يحزنُون!
أمّا بعد هيام… والحديقة، والأناتيك، وازديان الأرض، فقد ظنّ أنه قادر على امتلاك (لبن الطير!)… لأنه موهُوب… محظُوظ…وحظه سرمدي!
وكان إذا الليالي خذلته، وضنت عليه و أعسر، عاد على الفور، من الشباك، إلى مجالس أصدقاء الزمن الباهي، الذين كان يرحبون بـِــهِ… بل ويلولُونهُ في فترات الجفاف المالي، والجدب الروحي المصاحب… وكان هويجد سلوى عظيمة في ذلك… ويسأل نفسه:

– لِمَ جفوتهم، و كيف سفهت عشرتهم؟؟؟

وبمجرّد أن تسعفه الليالي، ينسي السؤال… ويهمل الإجابة، ويضلّ ويتوه عمّا كان قد أعاد اكتشافه وصرّح به، من: طيبة أصدقاء الزمن الباهي وأصالة (معدنهم!)، ويرجع، إلى الحديقة المطلة على مقرن النيلين، مَزهُواً… بكرتونةٍ أواثنتين من الويسكي وأكياس الرِّيش، التي ستطهوها له، عن طيب خاطر، العمّة ذات المجد التليد… وهدايا لها وأساور وأقراط لهيام… علّها تنسيها هجر الليالي القليلة التي قضاها بعيداً عن حديقتها: ذاتِ الوُرُود التي تتوسطها السَّوْسنة!
و الحقيقة أنه كانت هناك منطقة رمادية، برزخ، ما بين عالم الأناتيك و تخُوم و مَضارِب الزمن الباهي، تأرجح فيه عدد من الأصدقاء قبل أن يقرر كلٍ منهم إلى أي دُنيا سينتمي، فمنهم من استوعبته الحديقة و منهم من هرب، كقرد، من طوقِ أسوارها العالية، بعد أن اكتشف أن الحق ليس دائماً بجانب ما يتبناه الرجل ذو الثلاثة أوجه من أفكار و ما ينغمس فيه من أفعال… و أنه لم يعد تلك (القدوة المُنزهة)، كما كان على أيام البهاء و النقاء، و أنه بلهاثه وراء قشور و مظاهر الثراء قد بات شخصاً جديداً جديرًا بالرثاء…
و عندما عادوا، دون أن يفقدوا ألقابهم التى أسبغت عليهم (كأناتيك!) من زمن الحديقة، إلى رحاب الزمن الباهي… طفقوا يرقبون الأناتيك و المفروشات من بعيد… و يسمعُون أخبار (الحديقة) التي تردهم (مُنسابة): بلا اهتمام… في أغلب الأحيان.
وإذا ما طاف عليه طيفٌ من فقرٍ، لحينٍ من الدهر، وهي حالات كانت نادرة فعلاً، كان الرجل ذو الثلاثة أوجه يجد مَخْرجاً، دائماً، لكساد تجارته وبوارها، وذلك حتّى: قبل أن تكتســـــي (جبهتهُ) بغرّة الصلاة الداكنة،وقبل أن يتفقه، هو ذاته، في الدين، مُتخذاً من شمُول معرفته به وارتدائه جِلباب شعاراته وخطوطه العريضة: سلاحاً في (سوق الله أكبر!).
ـــــــــــــــــــــــ
*لن أحيد- العطبراوي.
**لو إنت نسيت- حسن عطية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!