من حكاية المال و العيال- (الحلقة السابعــــة).
واكتشف الرجل ذوالثلاثة أوجه، هوايات جديدة، أرحب: بعد أن رحبت به الحياة، وأكرمته، هِوايات: غير جمع العملات، وامتلاك الزهور!…
وكان من بين تلك الهوايات، جمعه للأناتيك، تساعده ( هُيام)، التي ابتدرت الهواية، بعزيمةٍ لا تفتر وقناةٍ لا تلين…مُحتفظة بنسبتها من تلك الأناتيك، تلك النسبة التي كانت تتناسب طرديًّا مع رواقة مزاج زوجها وقرب أوبُعد نفسياته، من: (السما!).
ومن حُبِّه، وانغماسه في هوايته الجديدة، المتناسبة مع نعمته المُحدَثة، صار يُشبِّه ويُسمِّي ندماء، ونجوم، وكواكب: الأماسي، على القطع الفاخرة، أحياناً، وغير الفاخرة في أغلب الأحايين… تلك الأناتيك التي أُفردت لها: خزانات، وأرفف عديدة في أرجاء المنزل.
وبطبيعة الحال، ولأن أصابع اليد الواحدة لا تتشابه، وإحقاقاً للحق… فقد كان التشبيه، أوالتسمية: يتناسبان طرداً مع أهمية هذاالصديق أوذاك، وحظه من المال، والجاه، بحيث كلما ضَؤُلَ شأن رفيق الأماسي، ورَقّ حالُه، ضَؤُلَ تبعًا لذلك، شأن: (الإنتيكة) التي تماثله، وبالعكس!
كانت (الأناتيك)، بالإضافة إلى عرضها أو استعراضها جماليتها، تدخل، أحياناً، تربيزة القُمار، في الليالي التي يجفُّ فيها الشراب في حافةِ الكأسِ*…
وقد فقد (سيف اليزل)، رغم حظه الوافر في المغامرات، قطعاً من (الأناتيك)، قلّ أن يجود بمثلها الدَّهر، كان بينها، تلك الإنتيكة التي: تُشابه مدير فرع البنك!… ولكنه، لم يرعوِ: فيكُفُّ عن إعمار التربيزة: بديلًا للقعدة، وكلُّما كان السبيل للشراب، مستحيلاً!
ولم تقتصر المفقُودات على (الأناتيك)، والمال وحدهما، في تلك التربيزة العامرة…
فقد راهن الرجل، ذات أمسية، راهن بالمنزل الذي أهداه (لهيام)، في عيد ميلادها الرابع والثلاثين: بعد سنتين من زواجهما- بموافقتها- وندمَ كلاهما، هُو وهيَ، بعد أن خسرا البيت، تبَعًا لخسارة المقامرة! …وإلحاقاً لذلك الندم: حدد كلُّ من هيامَ و زوجها، سقفاً للقِمار اليومي، لا يتعدَّى الخمسة آلاف جنيه، ولكنه كان يستأذنها، من حين لآخرَ لرفع سقف المغامرة: كلما تسخِّن التربيزة، وتلهلب المنافسة.
وكانت غالباً ما توافق، هي، طمعاً، لأن: خبرته، وحرفنتهُ في الغِش والمُداجاة، وحظه النادر، مكنته، من جني أمـــوال طائلةٍ، من القِمــــار: كان يهديها قسمًا معتبراً منها بعد كلِّ عشاء، أوأثناء (قزقزة الرِّيَشْ!)…
وكان من النادر أن تقلب له التربيزة: ظهر المِجن! فتراه يضحك، دائماً، في غمرة (الخرت) الكريه**، من جمال أوراقه، والتي كان أقلّها في معظــــــــم الأحيان:كروت البَليْهْ (الوَلَد!)… وحُبب إليه من الكُرُوت، وكان الأقرب إلى نفسه، ومصدرًا لارتياحه وفألِهِ الحسن: الواحد والبنت من صنف القلب: (آس الهارت ودامتِهِ!).
و كان الجُزلان المصنوع من الجلد الأصلي و الذي ورثهُ الرجُل ذو الثلاثة أوجه من أبيه عن جده، محشواً بالأوراق النقدية على الدوام، و لكن من الفئات الصغيرة، لتسيير شئون الحديقة بالأماسي، و لحل مشاكل الأناتيك الصغيرة، لإسكاتهم و الحيلولة دون تعكيرهم صفاء القعدات، تلك القعدات المهتمة بالشئون العظيمة و الصفقات الكبيرة، و التي لا تتيح مجالاً: للصغائر!
السهر، والرُّكود في المكتب بالنهار، والأكل الدهين: أصابت (الرّجُل ذاالثلاثة أوجه): بأمراض السُمنة وتلك الناجمة عن: تراكُم الكلسترول في الدم، مثل ارتفاع الضغط…و آلام المفاصلِ.
وتابع حمية قاسية، أثرت في محتوى مائدته في الأماسي، ولكنه لم يرجع: لا لسابق صحته، وعنفوان فُتوته… ولا لعهد شكله المُتسق، حينما كان لقبه: الرشيق الأنيق، كما كان يناديه: أصدقاء الزمن الباهي!…
ونصح له الأطباء بالإضافة إلى الأدوية والحمية: برحلة استجمام… جمع فيها بين مصايف البحر الأسود، وجزر المالديف، وشواطيء الإسكندريّة… لمدة ثلاثة أشهر، رافقته فيها، (كظلِهِ): هُيامُ، خوفاً من احتمال الرفيقة، أوالزوجة الثانية، حسب ظنونها، تلك الظنون التي كان تفكيره، و في تلك الآونة بالذات، (أبعد) ما يكون عنها… فقد كان جلُّ همه،ألّا: تنحسر تجارته، ثم ثروته، بالهِزَّة التي سببتها له: أمراض التخمة وتداعيات السُمنة المفرطة…
وبالفعل، عقد عدّة صفقات تجاريّة، أثناء الرحلة، كانت تتويجاً لذلك الاهتمام، وهي الصفقات، التي أدخلته: دنيا الحديد وأدوات المباني…وغيَّرت طبيعة عمله، من: السمسرة في الأراضي، إلى السمسرة في البيوت والمباني: (الجاهزة!).
وعندما عاد ومعه (هيام)، انتعشت من جديد الأماسي (الملوّنة)، في الحديقة، التي ازدانت بدورِها وتزهزهت، وعمَرت موائدها مرّة ثانية…وصار لها: روّاد جُدد، الآن، يشبهون- بشأنٍ من شئون الله- يشبهون تلك الأناتيك الجديدة، التي استجلبت، من: المالديف، والبحر الأسود وشواطيء الإسكندريّة …و أُضيفوا، إلى الروّاد القدامى، مُثلاء الأناتيك القديمة، الموجُودة أصلاً، والتي كانت، تُعبيء: خزائن ودواليب البيت!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أُنشُودة الجنِّ- التجاني يوسف بشير.
**الكريم- إيليا أبو ماضي.