ثقافة
أخر الأخبار

قصه قصيره بعنوان طلاق قبايل العيد

قصه قصيره

طلاق قبايل العيد
كان الخطأ الثالث الذي إرتكبته، قبايل العيد، هو أنني حرقت طرف الملاية في الصالون بنار السجاير، حرقة خفيفة تكاد لا ترى بالعين المجرّدة، إلا إذا قصد أحدهم التمعن في تلك الملاية أو تقييمها، في حال لا سمح الله احتجنا لبيعها، و لكن هذا لم يكن وارداً، كما كان يمكن أخفاء الحريق أو الجانب المحروق بعكس وضع الملاية على السرير الوثير، و لكنه كان سبباً في إلهاب عواطف بثينة، و فتيلاً أشعل جامة غضبها دفعة واحدة، و قاطرة جرّت ورائها أخطائي منذ اليوم الذي إلتقتني فيه حتى الآن:
– و عمرك ما عملت لي عمل فيهو الفايدة!
أو كما قالت.
و كان الخطأ الأوّل أنني كسرت الكرسي، الذي أستخدمته بغباء كسلم، حتى أغير لمبة النيون المحترقة، في الصالة.
و نظرتُ لبثينة بقعر عيني، و لمحتُ بريق الغضب في عينيها، و لكني أدركت أنه في طور الكمون لا يزال… و تفاديّاً لموجه من الصياح و الهرج، خرجت من الدار بدعوى الذهاب إلى السوق… و كان ذلك هو الخطأ الثاني، إذ أنني لم أذهب إلى السوق مباشرة، بل قضيت وقتاً طويلاً و شيّقاً في بيت العزابة من الجيرة القريبة لبيتنا… و عندما عُدت مساءً، سألت بثينة: (عن سبب التأخير و عمّا إبتعت لها من مستلزمات البيت؟)… و لكني أخبرتها بالحقيقة، فزاد لمعان بريق الغضب في مقلتيها السوداوين… و لكنها مرّة ثانية آثرت الصمت.
و دلفت إلى الصالون، منتظرا الطعام، أتصفح جريدة اليوم، و أدخن على مهل… فاذا بي أسرح و أخطاء الخطأ الثالث بحرق الملاية، ذلك الخطأ الذي أعطى بثينة مُبرراً كافياً للإنفجار.
عني أنا، فقد كنتُ أرى أسباباً و خلفيّات أخرى لذلك الإنفجار، و كنت أرى أنه تسخينة و مناظر أفلام و معارك طلبات العيد، كما إنه نابع من ضغوط الصيام، و ضغوط أخرى حياتيّة، فرضها سوء الحال، الذي مع أنه بات يشمل الجميع، إلا أن بثينة كانت ترى إنها الضحيّة الأكثر تضرراً من الظرف المايل و الحال الحرن.
و صمتُّ في مقابل هياجها، كالعادة، و لكنها أمعنت في إذلالي… و ضخمت من حجم الأخطاء الثلاثة لتخلق منها حالة من جرد الحساب لعشرة سنين… و كلما صمتُّ: عيرتني بصمتى، و ألهبتني بسياط لسانها الطويل.
و جربت الملاطفة، خارجاً عن صمتى مُكرهاً، لا بطل، و لكنها صبَّت مزيداً من الزيت على نار فورتها و انفعالها:
– داير تستهبلني، يعني!؟
و خرجت مرّة أخرى من بيتنا لبيت العزابة، مبرراً لهم الإرتماء في حضنهم مرتين، بأن المدام مشغولة بإعداد الخبيز مع ضيفاتها الجارات…
و تظاهرت بالنوم، و أنا أحسدهم على قدرتهم على اللهو و السمر.
و طفقت أقيم، بإنحياز كان ضدها، أُقيِّم عشرتي مع بثينة، و جدوى صمتى على شراستها و احتمالي ضيق أفقها، و رجعت بالذاكرة بحثاً عن نقطة التحوَّل التي إعترت بثينة من المسالمة و الهدوء إلى هذا الحال الجديد من العدوانيّة و تأبُّط الشر… فأرتدت الذاكرة و هي حسيرة.
و لكن، و مع إني كنت أكره أبغض الحلال، ليس مراعاة لأولادنا وحدهم، إنما إحتراماً لتلك العشرة التي خسفت بها بثينة، قبل قليل، سابع أرض! رأيت أنه قد بات الطلاق الآن: أحسن الحُلول!
دلفت إلى دارنا بعد غياب ساعات، و كلمة (طلقانة) في طرف لساني!
و كأنما قرأت بُثينة القرار، و لمحت التصميم و العزم على أمر جلل من نظراتي، فقالت لي:
– خلاص إنتا أخدتا البريك (Brake) بتاعك… أنا، الليلة دي، بايتة في بيت ناس أبوي…عسانا نقهر الشيطان!
و دون أن أشعر ضحكت بجزالة، وقلت لها مُمازحاً:
– خليك قبلِكْ، الظاهر الأيّامات دي الشيطان: (مُصفّد!) بالجد…!
بقلم ✍🏻 عادل سيد احمد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!